أهمية أدب الأطفال وعلاقته مع القرآن والسنة
سيد عقيل إقبال
الباحث في القسم اللغة العربية
جامعة على كره الإسلامية
تعريف أدب الأطفال وأهميته:
لا شك في أن الأمة الإسلامية هي من أول الأمم في العالم التي تهتم بتهذيب جيلها الجديد اهتماما بالغاً سعياً على درب المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، وتوفر هذا الاهتمام بتلك الثروة الهائلة التي وفرها القران والسنة ونحوها من العلوم والآداب التي تشكلت في حضنها. ومن هذه الآداب والفنون نرى” أدب الأطفال” الذي هو جزء لا ينفك من الآداب العربية. فهذا الأدب يلعب دوراً بارزاً في تهذيب أخلاق الأطفال وتثقيفهم وتجميلهم بحلة إسلامية بحتة. سيبقى هذا الأدب العربي الثمين في قمة الذروة مهما تداعى على أصحابه الأعداء. وبتوفيق الله عزوجل يستمر في عطائه المتواصل والمتجدد رغم رياح التغريب التي تهب بشدة على المناطق العربية كلها. والجيل الجديد سيقوم بمدافعة هذه الرياح المسمومة في حضن هذا الأدب وباهتمام المجتمع الإسلامي والعربي لأنهم نصف الحاضر اليوم وكل المستقبل غداً.
وقد أصاب ما قاله الشاعر حطان بن المعلى،
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض١
لا نعد ما قاله الشاعر من المبالغة في الوصف، لأننا نشاهد بعيوننا أن الناس كما أنهم حريصون على سلامة أكبادهم، فكذلك حريصون أكثر من ذلك على أولادهم وأحفادهم. وهم لا يستطيعون أن يتجاهلوا في هذا الأمر ولا يتركوه للعابثين لأنهم يدركون أن أولادهم في مرحلة لاحقة سيكون عليهم دور مماثل تجاه من بعدهم من أجيال جديدة، وإذا لم يكن لديهم الرصيد الوافر من الثقافة والأدب الصالح، فالعاقبة تكون بعد ذلك وبالاً على هذا المجتمع الإسلامي في حاضره ومستقبله.
وهذا هو السبب الذي أدى الشعوب والأمم المختلفة إلى أن يهتموا بتذليل كل العقبات للنهوض بالمستوى الأدبي والثقافي والعلمي عند الأطفال منذ نعومة أظفارهم. والحقيقية هي أن الموروث الحضاري للأمم هو الذي ينتقل من مجهودات الكبار نحو صغارهم. من هنا كانت الحاجة إلى تشكيل ” أدب خاص” حتى يقوم بتربية وتهذيب وتوجيه الأجيال القادمة في أشكال القصص والأشعار والمسرحيات ونحوها بالأسلوب الذي يناسب الأطفال ويروق لهم، في المراحل العمرية المختلفة، وهذا ما نسميه بــ “أدب الأطفال”٢.
اذاً إن أدب الأطفال هو أدب واسع المجال، متعدد الجوانب، ومتغير الأبعاد، طبقاُ لاعتبارات كثيرة، مثل نوع الأدب نفسه، وألسن الموجه إليها هذا الأدب، وغير ذلك من الاعتبارات. فأدب الأطفال لا يعني مجرد القصة، الحكاية النثرية أو الشعرية، وإنما يشمل المعارف الإنسانية كلها.
إن كل ما يكتب للأطفال، سواءً كان قصصاً، أم مادة علمية، أم تمثيليات، أم معارف علمية، أم استفسارات، في كتب أم مجلات أم في برامج إذاعية أم تلفزيونية أم كاسيت أم غيره، كلها مواد تشكل أدب الأطفال٣.
والبحث في هذا الأدب لن يكون موضوعياً علمياً إن لم ينطلق من مفاهيم الإسلام وأحكامه التي اهتمت بالإنسان-عموماً-والطفولة بشكل خاص. لان هذا الأدب لن تتحدد معالمه وسماته بحق حتى يكون متعرفاً على رأي الإسلام في تربية الطفل وتنشئته. لأن هذا الدين منهج للإنسانية، ينظم حياة الإنسانية ويتعهدها منذ الولادة حتى الوفاة. وهو ليس مناسك وشعر فقط، بل هو نظام وتشريع وتربية للإنسانية كلها٤، لأن التربية لا تقف عند الإسلام في تعليم المسلمين فقط، بل هي تمتد إلى تثقيفيهم في الخلق وتبعيدهم من الرذائل وتربيتهم بالصفات الحسنة وترسيم الطريق لأطفالهم حتى يكونوا صالحين في مستقبليهم ونافعين لأسرتهم وقومهم ودينهم في هذه الدنيا وفي الآخرة٥.
أدب الأطفال في كتاب الله وسنة رسوله:
عندما نعود في هذا الباب إلى القرآن والأحاديث المباركة، نجدها مملؤة بالعظات والحكايات والأمثال وغيرها التي تناسب لتربية الأطفال وتثقيفيهم وتهذيبهم بخصال صالحة. وفي القرآن نجد كثيراً من الآيات الكريمة والسور الصغيرة تناسب سن الطفولة، وتعد نموذجاً رائداً وموجهاً يستمد منه هذا الأدب تصوراته ويتخذ منه الأديب نبراساً يهتدي بنوره ويمشي تحت ظله طول حياته. نأخذ بعض الأمثلة على ذلك،
قال الله تعالى في سورة لقمان” وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله…إلخ (من الآية ٣١إلى الآية ٩١)“. هذه الآيات كلها من أروع النص الكريم في تربية الطفل المسلم لأنها تحمل أصدق عواطف الأبوة وأحلى صور المحبة والإخلاص للولد الذي ينشأ في كنف الأب الصالح ورعايته، فيخاطبه بحنو ويمحضه النصح الرفيق، بأسلوب هادئ رقيق وعبارة واضحة شفافة.
وكذلك نسمع إلى سورة الفيل وما فيها من إيحاءات ومعان، نجد حقاً بعد تلاوتها صوراً مؤثرة واضحة حية ومشهداً يضع وجدان الإنسان عامة، والطفل خاصةً.
وكذلك هنا سور كثيرة لا سيما في الجزء الثلاثين تناسب مراحل الطفولة، وآيات كثيرة في سور مختلفة، كالآيات التي تقص حكاية الجدل الذي دار بين اليهود ونبيهم عند ذبح البقرة، والآيات الخاصة بنبي الله زكريا، ومريم، ويحيى عليهم السلام. والآيات الخاصة بنبي موسى عليه السلام مع فرعون، والآيات الخاصة بحكايته مع اليهود، وقصة موسى والرجل الصالح، وقصة موسى وشعيب عليهما السلام، وقصة صاحب الجنتين، وقصة أصحاب الكهف، وقصة إبراهيم عليه السلام مع قومه، وقصة إبراهيم وإسماعيل وأمه وغير ذلك من القصص الأخرى التي تناسب في تربية الأطفال حق التربية٦.
وكذلك عندما عدنا إلى الأحاديث المباركة، نجد كذلك مملؤة بالنصوص المختلفة تناسب الأطفال الصغار في المراحل المختلفة، وتعد من الأدب الإسلامي الرفيع، والنماذج الرائدة والموجهة لهذا الأدب. كما نرى أن الحديث الشريف يصف الولد بأنه ثمرة القلوب “الولد ثمرة القلوب٧” ولذا كانت النساء تغني للأطفال، وترقصهم، وتبث من خلال هذه المعاني أسمى المعاني وأطيب الأخلاق، إضافة لإمتاعهم بهذا الغناء المنبعث من صدق الأمومة. وكذلك هنا الجلسات التربوية لسماع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه المتنوعة…في تلك الحكم البليغة والأحاديث العظيمة وهناك الشعر، وقصص الماضيين، وهناك حديث الإسراء والمعراج وغيرها من الأحاديث المباركة التي تملؤ بالعظات والعبر تناسب للأطفال في تربيتهم وتنشئتهم في زي إسلامي٨.
وبالجملة إن أدب الأطفال عند المسلمين عاش مع الأدب الإسلامي جنباً إلى جنب، لكنه لم يعرف هذه المصطلحات والتقسيمات التي كلف بها العصر الحديث، إنه الأدب الذي عاش مع كتاب الله وسنة رسوله وكتب التاريخ وغيرها من الكتب التراثية الأصيلة.
المراجع:
١-قصيدة حطان بن المعلى على موقعwww.qnakids.com
٢-محمد حسن بريغش، أدب الأطفال أهدافه وسماته، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، الصفحة ٩
٣-الدكتور إسماعيل عبد الفتاح، أدب الأطفال في العالم المعاصر، مكتبة دار العربية للكتاب، الصفحة ٨١
٤-الدكتور عواطف إبراهيم محمد، وحدة لتنمية الشعور الديني عند الأطفال، ٩٩٣١-٩٧٩١م
٥-الدكتور أحمد شلبي، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي، الصفحة ٢٩٢
٦-محمد حسن بريغش، أدب الأطفال أهدافه وسماته، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، الصفحة ٣٥-٥٥
٧-الهيثمي في مجمع الزوائد/٨-٥٥١، كتاب البر والصلة، رواه أبو يعلى والبزار عن أبي سعيد
٨-الدكتور الحديدي، أدب الأطفال، الصفحة ٩١٢، ط ٥